المياه العابرة للحدود !

ثلاثاء, 10/10/2017 - 08:19
الغاظى مولاي احمد

لقد كرم الله الإنسان فوهبه الفكر والقدرة على الإبداع وأعطاه ميزة العقل التي تؤدي الي الذكاء وبالتالي التفريق بين الصواب والخطإ وللتعليم والثقافة والاستشارة دور مؤثر في ذلك ، ولعل كلمة ذكاء-  التي هي عكس غباء - تم تحديدها علي انها  المفاضلة  بين الاختيارات للأنسب والأفضل     بينما الغباء تم تشخيصه علي انه لايجنب الأزمات  رغم البدائل المتاحة  وأسوأ أنواعه ..الغباء السياسي الذي يدفع القائد الي تدمير بلاده قبل نفسه فكما فعل الغباء بنيرون الي حرق روما وإضعاف امبراطوريته،  كذلك معمر القذافي في تصلبه الذي ادي الي تمزيق بلاده ونشوب حروب داخلية وتدخلات خارجية .... وكذا شيخوخة مبارك التفكيرية  حينما دفع ثمن غبائه أو تغابيه، ، فأ ستخدم  كل الحيل القديمة لمواجهة الثورة ضده ! .... والأمثلة كثيرة لشخصيات وقادة فشلوا في إدارة فن إدارة الصراع وذلك لأتسامهم بالغباء . 

الغباء السياسي  يتمثل في  بعض القادة  ايا كان موقعهم ....يتصرفون  بشكل عشوائي غير مدروس وبدافع  حب الأنا والنرجسية  او بسبب ضعف خبرتهم ونقص في قدراتهم التخطيطية في تقييم  وترتيب الاوراق  في أماكنها الصحيحة  مما ينتج عن ذلك  انعكاسات خطيرة علي الدولة  والمجتمع و من اجل اثبات الوجود والفوقية المفقودة  ودون الاعتقاد ان هناك خيارات اخري  اوالايمان  ان هناك طرقاً للوصول لفك الأزمات التي تدار علي طريقة حوار الطرشان .. وبذلك  يفقدون  بوصلتهم التي تحدد الاتجاه السليم  في اول  الجولات  فيحدث التخبط  العشوائي بين الامواج المتلاطمة  والتي تصفع كل  استشارة او مساعدة  للتجنب الصدام  ومايتبع ذلك من نتائج وخيمة  والتي عصفت  بكثير  من الانظمة  والقادة  الاغبياء الذين لم يطوروا  في علاقاتهم مع الدول المجاورة  وبقوا على الأساليب القديمة  وبنفس الفكر العقيم  .

ولعل اخطر أخطاء ارتكبها ولد عبد العزيز -رغم إنجازاته- في مسيرته السياسية هي  ماجاء بعد يوم  الاستفتاء الأخير ورغم ان النتائج كانت لصالحه  و بدل التوجه نحو تطبيقها من خلال إنشاء المجالس الجديدة، كبديل لمجلس الشيوخ  انتهج اسلوب  “القمع " كرد فعل لا يتوازي  إطلاقا  مع خط اكتشاف إشارات الإنذار او  بوادر  تلك المشكلة  البوعماتية التي قد تكون صغيرة  وكان يمكن التغلب عليها بمجموعة من الحلول  المفقودة لأسباب عدة  والمتوفرة للجانب الآخر .

 تعتبر إدارة الأزمات فن صعب ،  ويمكن القول انه لا يمكن اختبار أي مستشارين  اختبارا حقيقيا  إلا في مواقف كهذه  لذا لا بد من وجود اشخاص وطنيين ودوليين  لديهم خبرات عالية  في المجال تمكنهم من تحديد الخلل والتصرف بسرعة  لحل المشاكل و أن تخضع  أعلى سلطة لذلك   لان الأزمة تتطلب ردود فعل غير عنجهية ، وتتماشي  مع ضغوط  الموقف والوقت ،لان اي مواجهة لأية أزمة هو فن الإدارة .. ،لكن ان يتطلب  الامر فرض القانون كأساس للمواجهة  و أن  يتخذ كتبرير لاستخدام القوة الغاشمة والزج بالسياسيين الي السجن وانتهاك حقوق الانسان .. فذلك خارج عن مألوف  !

 من هنا نجح  فريق العمل لدي ولد بوعماتو  من  أخصائيين ومستشارين دوليين في ادارة الازمات علي بلاده  ،و لا شك أن الإستشارة السياسية الصادقة لا تاتي إلا من مستشار خبير لديه القدرة على تقديم النصح على أسس سليمة  ، كما انها  لا تنبع من فراغ فهي  ثمرة لتراكم خبرات طويلة وعلاقات وطيدة  كما ان تقديم المكافآت  امر ضروري  وهو ماطبقه ولد بعماتو بطريقة حاتمية حركت أدمغة السياسة وارباب الدهاء إلى دق بابه مقدمين أنجع السبل لتسجيل نقاط إضافية لصالحه تنضاف لرصيده وتزيد أياديه بياضا محليا وإقليميا ودوليا ، ضف الي  ان الامر لم يكلفهم كثيرا  فالظروف  و وضعية موريتانيا ليست علي ما يرام وتصب في مصلحتهم  فتقارير  منظمات التقييم تضع موريتانيا في ذيل قائمة الدول من حيث شفافية التسيير ومؤشرات النمو وأخيرا تذيلها التصنيف  السنوي للتنافسية الدولية في مجال التعليم العالي والتدريب وذلك بسقوطها  إلى المركز 137 عالميا من أصل 137 دولة شملها التصنيف ، كل ذلك  يؤكد تغلغل الطوفان البوعماتي ليشدد الخناق علي النظام  لإهماله مبدأ العطاء وتركيزه على الأخذ بدون مقابل مما دفع المتشدقين بالدفاع عنه علنا بنقده سرا ويتمنون رحيله قبل معارضيه معتبرين من وجهة نظرهم  أنه لم يُفرح صديقا ولا مواليا بتعامله وضيق دائرة المستفيدين  وسوء إختياره لبطانته وضبابية رؤيتهم للمستقبل  ،  كل ذلك يؤكد غياب الخطط و القاعدة التنظيمية   لمواجهة الازمات  ..... الأمر الذي دفعها ان تنهي نفسها بالطريقة التي تريدها هي لا بالطريقة نراها ..  فمثلا  عندما اعتبر النظام  قضية الشيوخ   “قضية فساد عابرة للحدود ”  لأنهم تلقوا حسب الشائعات رشاوي من الخارج  نسي انه هو نفسه  منحهم قطعا أرضية ورخصا للصيد مقابل التصويت بنعم  وهذا التناقض الصغير  دفعه الي متابعة واستدعاء  كل الذين استفادوا من سخاء وهبات  بوعماتو   وبذالك تتحول  المشكلة  الي ازمة بدل التعامل مع المستجدات بطريقة حكيمة ورشيدة 

لا يخفي علي المتتبع الفاحص للأحداث ان  وزراء النظام  ومستشاريه لم يحسنوا التعامل مع ماحدث   وبالتالي لا يرتقون  للإستعداد لما قد لا يحدث ،  كما أن رجالات الاعمال خذلوا النظام في كثير من المواقع السياسية الهامة  ولم يدعموا طموحات طبقة معينة من الاعلام قبل ان تتحول من خانتهم الي خانة  الجانب الآخر فأستقلهم   واستنزلهم   سواء علي صعيد الداخل او الخارج  وكان لهذا دوره الفعال فيما بعد  وهذا ما اثبتته الاحداث  الخطيرة  التي تلت  الاستفتاء  و لعل الحقيقة المهمة  التي غيرت مجريات الاحداث في كثير من الدول  والتي اعتمد قادتها  على فرق خاصة  في التعامل مع الأزمات كانت أكثر  بقاءا واستمرارا  من قريناتها التي انتهجت أسلوبا معاكسا تمثل بالترجل  والتعامل بطرق غير سليمة مع انتشار الفساد المالي والاداري مما أدى بها إلى سئمها ومحوها  ، فالأزمات أخطبوط  يلامس كل الدول  في مراحل النموي والهدم  وفي كل مرحلة وأختها ثمة أزمة  تصفع القادة  فمنهم من يحسن الإبداع  في التخطيط ومنهم من يكون لقمة سهلة في أفواه  اصحاب المذاهب الغامضة   فيحرك الأذهان ويشعل النيران !

 علينا ان ندرك جيدا ان  الأزمات والصراعات  علما قائما وفنا معقدا  وقد  تدرج السلم وتطور كثيرا بالضبط   كما تدرجت  وتطورت الخبرات  البشرية عبر آلاف السنين ..  لذا لن تكون الأساليب القديمة  طعاما مستساغا و حلا موازيا لتطورات الاحداث ،  ومادام التغيير لم يتجدد علي  مستوي الهويات المهيمنة علي  الدولة  و بقاء النموذج القديم الحاكم للطبقة السياسية  ..  فإننا سنواجه الازمات بالأزمات بعد ان كان الوعي بها أمرا متاحا و  أساسيا لتجنب المزيد من الخسائر السياسية .  

يبقي من المفيد ان نعترف باننا لم ننجح في فن ادارة الازمات  وبالتالي وصلنا الي مرحلة ادارة المخاطر  وهو تحول من اقصي اليمين الي اقصي اليسار ، غير ان مجموعة الحلول تبقي متاحة   و ستكون مربوطة ارتباطا قويا  بفريق عمل متكامل من الاخصائيين  من اجل القياس والتقييم للمخاطر وتطويرالإستراتيجيات والاعتراف بآثارها السلبية من اجل  نقلها  إلى جهة أخرى  او تجنبها..فهل  يمتلك  النظام في قادم  الايام والاحداث   قدرة كافية   للحفاظ على توازنه  وسط لوثة الأفكار وهشاشة البنية السياسية  المراد ترسيخها توازيا في مواجهة خطوط السياسات المتطورة والكفوءة  ؟  قد يكون السؤال سخيف عند الحالمين امام خروج بوعماتو من المغرب وهم بذلك سيسقطون كثيرا علي جدار الدبلوماسية المغربية إن لم يفحصوا الحاسبة! ،فالرجل المؤثرغادر المغرب منذ شهور وهم بذلك متأخرين كثيرا في سباق السياسة  وفنونها والإشكالية المطروحة ..أهو بفرانسا حقا.. ام في الجزائر .. التي تسببت في تغيير اتجاه المتجهات لتضعنا خلف قراءةصعبة لوظيفة علم المثلثات السياسية توجد هي علي زواياها الحادة ليكمل المغرب والسنغال الشكل علي القاعدة !
مهما كان ومهما يكن فإن الثابت الوحيد  ان ولد بوعماتوهو تلك النقطة المتحركة داخل المثلثات حسب اتجاهات القوي..  لن يكون متفرجا بل عنصرا مؤثرا ولو من غينيا بيساو !

إنها مشكلة علي الأوراق  تبدو صعبة الحل، ولغز يدعوا للتوقف كثيرا قبل الإجابة، ومعضلة تحتاج إلى متخصص ليفك طلاسمها .... غير ذلك  سنكون بين المطرقة والسندان..  لانه ببساطة لايمكن للزيت والماء  بأي حال من الأحوال  صناعة محلول متجانس !