"النائب ولد سيدى محمود" : الدولة فى ظل النظام القائم أصبحت حاضنة للخطاب العنصري والفئوي

خميس, 03/16/2017 - 18:24

في خضمً الحراك السياسي الذي تشهده البلاد، والوضعية الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة، وعلى ضوء التغيير المتوقع في هرم السلطة وتزايد الحديث عن سيناريوهات ما بعد حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وحظوظ قوى المعارضة في الوصول إلى سدة الحكم، ومستقبل أبرز أحزابها اليوم حزب تواصل ذو التوجه الإسلامي.

ومن خلال إطلاع الرأي العام على رؤية ابرز الأسماء التي عارضت نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، التقت "السفير" بنائب رئيس حزب تواصل المعارض؛ والنائب البرلماني السابق السالك ولد سيدي محمود وأجرت الحوار التالي:

السفير: لنبدأ من الوضع الحالي للبلد، كيف تنظرون إلى موريتانيا اليوم؟

السالك سيدي محمود: بسم الله الرحمن الرحيم والله والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين،  أشكركم على إتاحة الفرصة؛..

أما بخوص السؤال فنحن حالياً تجاوزنا الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة، إلى الوضع "غير مسبوق" الذي تعيشه البلاد منذ وصول ولد عبد العزيز إلى السلطة والذي ازداد سوءا في السنوات الخمس الأخيرة، وذلك من عدة زوايا:

فمن الناحية الاقتصادية تعيش موريتانيا وضعية استثنائية بالمقارنة مع الفترات الماضية، فمع أن البلاد لم تراوح مكانها كدولة فقيرة، تعاني من شح الموارد.. اقتصاد غير متنوع.. مديونية وبطالة،.. إلا أن السلطات لم تفلح في التقدم ولو لخطوة رغم ما شهدته السنوات الخمس الأخيرة من تراكم أرصدة ومداخيل تكاد تساوي ضعف مداخيل الدولة الموريتانية في السنوات الماضية 10 مرات،..

فإذا ما عدنا قليلاً إلى عملية حسابية بسيطة بخصوص مداخيل البلد من عائدات الحديد، نجد أن سعر طن خام الحديد منذ استقلال البلد وحتى العام 2004 لم يزد على 22 دولارا فقط، أما من 2004 وحتى 2011 التي وصل خلالها سعر الطن إلى 187 دولارا، فإن هذا السعر مع أنه لم يكن ثابتا أحيانا إلا أنه ظل فوق الـ 100 دولار للطن الواحد، أي ما يزيد سبع مرات على سعره قبل 2004، ضف إلى ذلك عائدات الذهب النحاس البترول.. وهي كلها موارد لم تكن موجودة خلال الفترات الماضية، وبغض النظر أيضا عن عائدات الصيد، فقد ازدادت مداخيل الدولة من خلال العائدات الضريبية على الشركات التي استثمرت في مجال الاتصالات، والتي لا دخل طبعاً لهذا النظام فيها فقد سبقته بسنين، أي أن المداخيل إما ساهم فيها ارتفاع  أسعار عالمية، أو جاءت عن طريق مستثمرين وجدهم النظام أمامه، فباختصار: "لا يعود الفضل لنظام ولد عبد العزيز في استجلاب أي مستثمر أساسي حتى الآن".

أما في ما يخص البطالة، الفقر، ارتفاع الأسعار.. فحدث ولا حرج، أما الفساد فقد بلغ ذروته في هذه المرحلة، بل أصبح ممنهجاً ومرعي من طرف رأس النظام نفسه.. كنا في الماضي نجد أن رئيس النظام يتضرر من مسلكيات وزرائه ومسؤوليه الفاسدين، أما اليوم فنحن أمام مفارقة غريبة، فأعوان الرئيس من وزراء ومديرين ومسيرين هم من تضرروا بالدرجة الأولى من فساد رأس النظام ومحيطه الأسري والاجتماعي كذلك ..!

أما الوضعية السياسية فإنها تعيش هي الأخرى على وقع ممارسات "اللاقانون" و"اللادولة" إن  صح التعبير، بمعنى أن الدولة الموريتانية في كافة الفترات السابقة وفي أحلك الظروف ظلت تحافظ على بعد الدولة في الخطاب الرسمي واحترام الآجال القانونية، لكننا الآن أمام حالة فريدة من نوعها ربما لم يعرف لها التاريخ ذكراً..

فالدولة أصبحت اليوم "حاضنة" للخطاب العنصري والفئوية وتسخر الإعلام العمومي لتغطية الاجتماعات القبلية والشرائحية، وباتت تجاهر بخرق القانون بدل احترامه شكلياً على الأقل، فلم تعد تحترم المواعيد الديمقراطية منذ انقلاب 2008 حيث أصبحنا أمام برلمان يعقد جلساته بدعوة من جنرال منقلب، وللتوضيح فجميع القوانين التي صادق عليها البرلمان منذ سنة 2008 إلى انتخاب ولد عبد العزيز في 2009 لا تمتلك أي سند قانوني؛ فلا هي تحت ظل نظام ديمقراطي ولا نظام استثنائي، بل تحت حكم "هجين" لم يعرف له التاريخ مثيلا..

ومن ناحية أخرى فإن فترة ما بين 2011 وحتى 2013 أي بعد انتخاب الجمعية الوطنية الحالية، كانت مرحلة استثنائية من الناحية القانونية والسبب أن الدستور نص على أن مأمورية نواب الجمعية الوطنية تدوم 5 سنوات، وخشية أن يقع هنالك لبس جاء الأمر القانوني رقم 028/91 لينص بالحرف على "أن مأمورية النواب تنتهي في شهر نوفمبر من السنة الخامسة لانتخابهم" أي أنه ومنذ نوفمبر 2011 لم يعد هنالك نواب باستطاعتهم المصادقة تعديل الدستور.

أما التعديلات الدستورية التي أمامنا اليوم والتي مرت عبر جمعية وطنية غير توافقية ويستعد مجلس الشيوخ لتمريرها رغم قرار المجلس الدستوري بحله في الآجال القانونية حينها (مهلة ستة أشهر) فإن الغرفة باطلة.. ما يعني أن رأس النظام ضرب عرض الحائط كذلك بقرار أعلى هيئة دستورية في البلد.

السفير: ماذا عن سيناريوهات ما بعد ولد عبد العزيز، وأي دور لقوى المعارضة في المرحلة المقبلة؟

السالك سيدي محمود: نحن أمام صراع إرادتين، التغيير الديمقراطي، أو إرادة "التكيٌف" وتلك  إرادة الأطر وغالبية الجماهير، التي ترى أن موريتانيا وعلى الرغم من تأثرها الجيوسياسي، بالمنطقة العربية ظلت "مميزة" عنها نظرا لعوامل ديناميكية خاصة، فلم نعرف في موريتانيا الدكتاتورية بالمفهوم العربي (الاغتيالات، خنق الأصوات) ومع أننا بلد شهد انقلابات عسكرية عديدة فإن جميع الرؤساء الذين أطيح بهم بقوا (أحياء) وهذا جانب إيجابي..

وبما أننا تأثرنا كذلك بنماذج من الديمقراطية في إفريقيا الفرنكفونية التي نحن جزء منها، والتي شهدت بعض بلدانها تبادلا سلميا على السلطة ونهاية الحزب الواحد فإن تجربة حكم المؤسسة العسكرية في موريتانيا، ظلت متكيفة مع تأثيرات المنطقة مع الإبقاء على الديمقراطية شكلاً لا مضموناً، بمعنى أن النظام العسكري وبعد ما عرف في تسعينيات القرن الماضي، بالربيع الإفريقي استطاع التكيٌف مع تلك المرحلة من خلال (دستور 91، التعددية الحزبية، حرية الإعلام..)، وبعد الهزات التي شهدها نظام ولد الطايع وما اسميه شخصياً بـ"انقلاب القصر" سنة 2005، بادرت المؤسسة العسكرية إلى تكييف تلك المرحلة كذلك من خلال انتخابات 20077 والقيام بخطوة إلى الوراء (الليونه، جلب رئيس مدني) مقابل خطوتين إلى الأمام؛ ترتيب الأوراق بنيل أعلى الرتب العسكرية "جنرالات" ومن ثم الإطاحة بالنظام المدني والشروع في تجربة عسكرية جديدة 2008 ..

لكن بانتهاء مرحلة ولد عبد العزيز نحتاج لمرحلة "تكيٌف" جديدة والتي بدأت إرهاصاتها مع الحوار المنصرم، .. التعديلات الدستورية لحين انتهاء البحث عن بديل متحًكم فيه، والهدف طبعا الحيلولة دون حصول تحوٌل.

غير أني أرى أن تغيير الدستور وإعلان جمهورية ثالثة، هي مجرد بادرة شخصية من ولد عبد العزيز لدخول التاريخ وتخليد اسمه؛ على غرار المرحوم المختار ولد داداه، والرئيس ولد الطايع ، وهذا ما يؤكد التبريرات الواهية بشأن تغيير ألوان العلم والوطني، فألوان العلم لا تستمد قدسيتها كرمز إلا بالاحترام والتقدير الذي تحظى به من طرف الشعب أما قصة الألوان فهي نسبية لأبعد الحدود، فإذا كنا شعبا يتفائل باللون الأبيض فهنالك من بين شعوب العالم من يعني لها الأبيض الاستسلام والضعف، كما أننا نتشائم من الأسود وهو في الحقيقة لون علم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحروب والفتوحات...!

في تقديري أن المعارضة ما تزال بعيدة عن تحقيق مشروعها السياسي، ما دامت تنشد مشروع التغيير الديمقراطي عبر "التكيٌف" الديمقراطي، بدل أن تجعل من نضالها قضية تجعل من التحول الديمقراطي وإنهاء حكم العسكر هدفاً يحتاج طبعا لطول نفس وسنوات طويلة من العمل والصبر..

فإذا ما انتهجت المعارضة سياسية طول النفس والصبر فأني اعتقد أنها ستصل في النهاية وستكسب المعركة، والأرضية مهيأة لذلك فنحن مجتمع شبابي وبلد سئم الأنظمة العسكرية ومع الزمن لا بدً أن يتبلور وعي حول الأطروحات السياسية المقنعة، شرط الابتعاد عن (فخوخ الحلول الوسطى) وفيروس الواقعية وأنصاف الحلول وأخماسها.. ومع إفلاس الطرف الآخر سنكون أمام عملية تربوية للجماهير لا مكان فيها للحسابات الخاصة والضيقة.

السفير: أي مستقبل ينتظر حزب تواصل بعد رحيل رئيسه المؤسس؟

السالك سيدي محمود: بطبيعة الحال تغيير القيادة يكون مؤثرا في الغالب، لكننا في التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، لسنا حزب أشخاص ولا مجموعات، لدينا مبادئ ومنطلقات نتقاسمها جميعاً سواءا لمن هم في الواجهة أو من يعملون في الخفاء، وعليه فإن تواصل مشروع سياسي ناضج لديه هيـئات حزبية منظمة تعمل في حدود صلاحياتها ويتم فيه التداول الديمقراطي على المناصب القيادية بشكل سلس ومعقلن.

 

نقلان عن موقع السفير بتصرف فى العنوان